كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فإذا استحلفه ظالم بأيمان البيعة، أو أيمان المسلمين فتأول الأيمان بجمع يمين وهى اليد أو حلفه بأن كل امرأة له طالق فتأول أنها طالق من وثاق، أو طالق عند الولادة أو طالق من غيرى ونحو ذلك.
أو استحلفه بأن كل مملوك له حر أو عتيق، فتأول أنه عتيق أو كريم، من قولهم: فرس عتيق.
أو استحلفه بأن تكون امرأته عليه كظهر أمه، فتأول ظهر أمه بمركوبها، فإن ضيق عليه وألزمه أن يقول: إنه مظاهر من امرأته، تأول بأنه قد ظاهر بين ثوبين، أو جبتين من عند امرأته.
وإن استحلفه بالحرام، تأول أن الحرام الذي حرمه الله تعالى عليه يلزمه تحريمه، فإن ضيق عليه بأن يلزمه أن يقول: الحرام يلزمنى من زوجتى، أو أن تكون على حرامًا، قيد ذلك بنية: إذا أحرمت، أو صامت، أو قامت إلى الصلاة، ونحو ذلك.
وإن استحلفه بأن كل ماله، أو كل ما يملكه صدقة، تأول بأنه صدقة من الله سبحانه وتعالى عليه.
وإن قال له: قل: وإن جميع ما أملكه: من دار وعقار وضيعة وقف على المساكين، تأول الفعل المضارع بما يملكه في المستقبل، بعد كذا وكذا سنة.
فإن ضيق عليه، وقال قل: جميع ما هو جار في ملكى الآن، نوى إضافة الملك إلى الآن، لا إلى نفسه، والآن لا يملك شيئًا، فإن قال: مما هو في ملكى في هذا الوقت يكون وقفًا، أخرج معنى لفظ الوقف عن المعهود إلى معنى آخر، والعرب تسمى سوار العاج وقفًا.
وإن استحلفه بالمشى إلى بيت الله، نوى مسجدًّا من مساجد المسلمين.
فإن قال قل: على الحج إلى بيت الله، نوى بالحج القصد إلى المسجد. فإن قال: إلى البيت العتيق، نوى المسجد القديم، فإن قال: البيت الحرام، نوى الحرام هدمه واتخاذه دار أو حمامًا ونحو ذلك.
وإن استحلفه بالأمانة، نوى بها الوديعة، أو اللقطة، ونحو ذلك.
وإن استحلفه بصوم سنة، نوى بالصوم الإمساك عن كلام يمكنه الإمساك عنه سنة أو دائما.
هذا كله في المحلوف به.
وأما المحلوف عليه، فيجرى هذا المجرى.
فإذا استحلفه: ما رأيت فلانا، نوى ما ضربت رئته. أو ما كلمته، نوى ما جرحته. أو ما عاشرته ولا خالطته، نوى بالمعاشرة والمخالطة معاشرة الزوجة والسرية. أو ما بايعته ولا شاريته، نوى بذلك ما بايعته بيعة اليمين، ولا شاريته من المشاراة، وهى اللجاج أو الغضب، تقول: شرى، على مثال علم، إذا لج أو استشاط غضبًا.
وإن استحلفه لص أنه لا يدل عليه، ولا يعلم به ولا يخبر به أحدًا، نوى أنه لا يفعل ذلك مادام معه. وإن ضيق عليه وقال: ما عاش، أو ما بقى، أو مادام في هذه البلدة، نوى قطع الظرف عما قبله، وأن لا يكون متعلقًا به، أو نوى بما: الذى، أي لا أدل عليك الذي عاش أو بقى بعد أخذك.
وإن استحلفه أن لا يطأ زوجته نوى وطأها برجله.
وإن استحلفه أن لا يتزوج فلانة، نوى أن لا يتزوجها نكاحًا فاسدًا.
وكذلك إذا استحلفه أن لا يبيع كذا، أو لا يشتريه، أو لا يؤجره، ونحو ذلك.
وكذلك إذا استحلفه أن لا يدخل هذه الدار أو البلد أو المحلة، قيد الدخول بنوع معين بالنية.
وكذلك لو استحلفه: أنك لا تعلم أين فلان؟ نوى مكانه الخاص من داره، أو بلده أو سوقه.
ولو استحلفه: أنه ليس عنده في داره، نوى أنه ليس عنده إذا خرج من الدار. فإن ضيق عليه، وقال: الآن، نوى أنه ليس حاضرًا معه الآن، وقد بر وصدق.
وإن استحلفه ليس لى به علم، نوى أنه ليس لى علم بسره وما ينطوى عليه، وما يضمره، أو ليس لى علم به على جهة التفصيل، فإن هذا لا يعلمه إلا الله سبحانه وحده.
فصل:
وللمظلوم المستحلف مخرجان يتخلص بهما: مخرج بالتأويل حال الحلف. فإن فاته فله مخرج يتخلص به بعده إن أمكنه، كما إذا استحلفه قطاع الطريق أو اللصوص أن لا يخبر بهم أحدًا. فالحيلة في ذلك أن يجمع الوالى المتهمين، ثم يسأله عن واحد واحد، فيبرئ البرئ، ويسكت عن المتهم، وهذا المخرج أضيق من الأول.
فإذا استحلفه ظالم أن لا يشكو غريمه، ولا يطالبه بحقه، فحلف ولم يتأول أحال عليه بذلك الحق من يطالبه به، ولم يحنث في يمينه.
وإذا استحلفه ظالم أن يبيعه شيئًا، فله أن يملكه زوجته أو ولده، فإذا باعه بعد فلك كان قد بر في يمينه، ويمنع من تسليمه مَن مَلَّكه إياه. اهـ.
وقال أيضا رحمه الله:
فصل:
للحيل التي يتخلص بها من مكر غيره والغدر به أمثلة:
المثال الأول: إن استأجر منه أرضًا أو بستانًا أو دارا سنين، ثم لا يأمن من مكره إذا صلحت الأرض والبستان، بنوع من أنواع المكر والغدر، ولو لم يكن إلا بأن يدعى أن أجرة المثل في هذه الحال أكثر مما سمى.
فالحيلة في أمنه من ذلك: أن يسمى لكل سنة أجرًا معلومًا، ويجعل أجرة السنين المتأخرة معظم الأجرة، وأقلها للسنين الأول، فلا يسهل عليه المكر بعد ذلك. وعكسه إذا خاف المؤجر مكر المستأجر وغدره في المستقبل جعل معظم الأجرة في السنين الأول، وأقلها في الأواخر.
المثال الثانى: أن يخاف المؤجر غيبة المستأجر، فلا يتمكن من مطالبة امرأته بالأجرة، ولا من إخراجها.
فالحيلة في أمنه من ذلك: أن يؤجرها رب الدار من المرأة. فإن دخل عليه تعذر مطالبتها بالأجرة، ضمن الزوج الأجرة أو أخذ بها رهنا. فإن كان قد أجرها من الزوج، وخاف غيبته أشهد على إقرار المرأة أن الدار له، وأنها في يدها بحكم إجارة الزوج إلى مدة كذا وكذا، وإن كفل المرأة وقت العقد أنها تردّ إليه الدار عند انقضاء المدة نفعه ذلك.
المثال الثالث: أن يخاف المستأجر أن يزاد عليه في الأجرة، ويفسخ عقده، إما بكون العين المؤجرة وقفا عند من يرى ذلك، أو يتحيل عليه، حتى يبطل عقده.
فالحيلة في أمنه وتخليصه: أن يسمى للأجرة أكثر مما اتفقا عليه، ثم يصارفه عليه بقدر المسمى ويدفعه إليه، ويشهد عليه أنه قبض المسمى الذي وقع عليه العقد. فإذا مكر به وطلب فسخ عقده طالبه بما قبضه من المسمى. هذا إذا تعذر عليه رفع تلك الإجارة إلى حاكم يحكم بلزومها، وعدم فسخها للزيادة.
المثال الرابع: أن يخاف أن يؤجره مالا يملك، فيأبى المالك ويفسخ العقد، ويرجع عليه بالأجرة. فالحيلة في تخليصه: أن يضمن المؤجر درك العين المستأجرة، وإن ضمن من يخاف منه الاستحقاق ومطالبته كان أقوى.
المثال الخامس: أن يخاف فَلَس المستأجر ولم يجد من يضمنه الأجرة.
فالحيلة في فسخه: أن يشهد عليه في العقد أنه متى تعذر عليه القيام بأجرة شهر أو سنة فله الفسخ. ويصح هذا الشرط ولو لم يشرط ذلك. فإنه يملك الفسخ عند تعذر قبض أجرة ذلك الشهر، أو السنة، ويكون حدوث الفلس عيبا في الذمة يتمكن به من الفسخ. كما يكون حدوث العيب في العين المستأجرة مسوّغًا للفسخ. وهذا ظاهر إذا سمى لكل شهر أو سنة قسطًا معلومًا. ولا يعين مقدار المدة، بل يقول آجرتك كل سنة بكذا، أو كل شهر بكذا، تقوم لى بالأجرة في أول الشهر أو السنة، فإن أفلس قبل مضى شيء من المدة ملك المؤجر الفسخ. وإن أفلس بعد مضى شيء منها، فهل يملك الفسخ؟ على وجهين:
أحدهما: لا يملكه. لأن مضى بعضها كتلف بعض المبيع، وهو يمنع الرجوع.
والثانى: يملكه. وهو قول القاضي. وهو الصحيح، لأنَّ المنافع إنما تملك شيئًا فشيئًا بخلاف الأعيان فإنها تملك في آن واحد. فيتعذر تجدد العقد عند تجدد المنافع.
المثال السادس: إذا خاف المستأجر أن تنهدم الدار فيعمرها، فلا يحتسب له المؤجر بما أنفق في ذلك.
فالحيلة في ذلك: أن يقول وقت العقد: وأذن المؤجر للمستأجر أن يعمر ما تحتاج الدار إلى عمارته من أجرتها، ويقدر لذلك قدرًا معلوما. فيقول، مثلا: بمائة فما دونها، أو يقول: من عشرة إلى مائة. فإن لم يفعل ذلك واحتاجت إلى عمارة لا يتم الانتفاع إلا بها، أشهد على ذلك وعلى ما أنفق عليها، وأنه غير متبرع به، وحسب له من الأجرة.
وكذلك إذا استأجر منه دابة، واحتاجت إلى علف وخاف أن لا يحتسب له به المؤجر فعل مثل ذلك. فإن قال: أذنت لك أن تنفق على الدار، أو الدابة ما تحتاج إليه، فادعى قدرًا وأنكره المؤجر. فالقول قول المؤجر.
والحيلة في قبول المستأجر: أن يسلف رب الدار ما يعلم أنها تحتاج إليه من العمارة، ويشهد عليه بقبضه من الأجرة ثم يدفعها إليه، ويوكله أن ينفق منه على الدار أو الدابة ما تحتاج إليه، فالقول حينئذ قوله لأنه أمين. فإن خاف المؤجر أن يستهلك المستأجر المال الذي قبضه ويقول إنه تلف، وهو أمانة، فلا يلزمنى ضمانه، فالحيلة في أمنه من ذلك: أن يقرضه إياه، ويجعله في ذمته، ثم يوكله أن ينفق على العين ما تحتاج إليه من ذلك.
المثال السابع: إذا آجره دابة، أو دارًا مدة معلومة، وخاف أن يحبسها عنه بعد انقضاء المدة.
فطريق التخلص من ذلك: أن يقول: فإذا انقضت المدة فأجرتها بعدها لكل يوم دينار أو نحوه، فلا يسهل عليه حبسها بعد انقضاء المدة.
المثال الثامن: إذا كان له عليه دين فقال: اشتر له به كذا وكذا ففعل، لم يبرأ من الدين بذلك لأنه لا يكون مبرئًا لنفسه من دين الغير بفعله.
وطريق التخلص: أن يشهد على إقرار رب الدين أن من عليه الدين برئ منه بعد شرائه لمستحقه كذا وكذا، والقياس أنه يبرأ بالشراء وإن لم يفعل ذلك، لأنه بتوكيله له قد أقامه مقام نفسه، فكما قام مقامه في التصرف قام مقامه في الإبراء. فهو لم يبرأ بفعل نفسه لنفسه، وإنما برئ بفعله لموكله القائم مقام فعل الموكل.
المثال التاسع: إذا أراد أن يستأجر إلى مكان بأجرة معلومة. فإن لم يبلغه وأقام دونه فالأجرة كذا وكذا، فقالوا: لا يصح العقد. لأنا لا نعلم على أي المسافتين وقع العقد.
قالوا: والحيلة في تصحيحه: أن يسمى للمكان الأقرب أجرة، ثم يسمى منه إلى المكان الأبعد أجرة أخرى. فيقول مثلا: آجرتك إلى الرملة بمائة، ومن الرملة إلى مصر بمائة. لكن لا يأمن المستأجر مطالبة المؤجر له بالأجرة إلى المكان الأقصى، ويكون قد أقام في المكان الأقرب. فالحيلة في تخلصه: أن يشترط عليه الخيار في العقد الثانى. إن شاء أمضاه، وإنْ شاء فسخه. ويصح اشتراط الخيار في عقد الإجارة، إذا كانت على مدة لا تلى العقد. والقياس يقتضى صحة الإجارة على أنه إن وصل إلى مكان كذا وكذا فالأجرة مائة. وإن وصل إلى مكان كذا وكذا فالأجرة مائتان. ولا غرر في ذلك، ولا جهالة. وكذا إذا قال: إن خطت هذا الثوب روميًا. فلك درهم، وإن خطته فارسيًا، فلك نصف درهم، إنما يقع على وجه واحد. وكذلك قطع المسافة، فإنه إما أن يقطع القريبة أو البعيدة، فلا يشبه هذا قوله: بعتكه بعشرة نقدًا، أو بعشرين نسيئة. فإنه إذا أخذه لا يدرى بأى الثمنين أخذ. فيقع التنازع، ولا سبيل لنا إلى العلم بالمعين منهما. بخلاف عقد الإجارة، فإن استيفاء المعقود عليه لا يقع إلا معينا، فيجب أجرة عمله.
المثال العاشر: إذا زرع أرضه. ثم أراد أن يؤجرها، والزرع قائم لم يجز، لتعذر انتفاع المستأجر بالأرض.
طريق تصحيحها: أن يبيعه الزرع، ثم يؤجره الأرض، فإن أحب بقاء الزرع على ملكه قدر لكماله مدة معينة. ثم أجره الأرض بعد تلك المدة إجارة مضافة. فإن خاف أن يفسخ عليه العقد حاكم يرى بطلان هذه الإجارة، فالحيلة: أن يبيعه الزرع، ثم يؤجره الأرض، فإذا تم العقد اشترى منه الزرع، فعاد الزرع إلى ملكه، وصحت الإجارة.